تحديث، 10 آب 2016: أرسل مركز عدالة يوم 18 آب 2016 رسالة إلى المستشار القضائيّ للحكومة أفيحاي مندلبليط، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، والمدّعي العسكريّ العام شارون آفيك، يطالبهم بالاعتراض على الخطّة المقترحة لنقل البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة “عمونا” من موقعها الحاليّ إلى أراضٍ خاصّة يمتلكها لاجئون فلسطينيّون. اقرأوا بيان عدالة بهذا الشأن.
تستمر السلطات الإسرائيليّة بالمماطلة قبل حسم مصير ما يقارب 40 عائلة يهوديّة إسرائيليّة تعيش في البؤرة الاستيطانيّة “عمونا” في الضفّة الغربيّة، وهي مستوطنة قائمة على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة. ومن بين “الحلول” التي تطرحها في إسرائيل مخطط لنقل المستوطنين إلى أراضٍ مجاورة تعتبرها الدولة “أملاك غائبين”. بموجب هذا الاقتراح، “تؤجّر” الدولة هذه الأرض للمستوطنين نيابةً عن أصحابها الفلسطينيين “الغائبين”، وذلك من خلال اتفاقيّة قابلة للتجديد كل ثلاث سنوات. بكلمات أخرى، يمكّن القانون الإسرائيليّ الدولة أن تعالج سرقة أراضي الفلسطينيين، من خلال تعويض السارقين بأراضي فلسطينيّة بديلة، مسروقة هي الأخرى.يُعرّف القانون الدوليّ كل المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي المحتلّة عام 1967 بأنها مستوطنات غير قانونيّة، لكنّ عمونا تُعتبر انتهاك ليس بحسب القانون الدوليّ فقط، وإنما بحسب القانون الإسرائيليّ المحليّ ذاته، وتحديدا القانون الدستوري ساري المفعل على الاراضي المحتله. تأسست المستوطنة قبل 20 عامًا، وهي أكبر “بؤرة استيطانيّة”، أو “مستوطنة غير مرخّصة”، وقد تجاوزت عدّة محاولات قضائيّة طالب فيها أصحاب الأرض الفلسطينيين باسترداد أراضيهم. هنا يُمكنكم قراءة الخلفيّة التي توفّرها مؤسسة “ييش دين” الإسرائيليّة، والتي مثّلت العائلات في توجهاتهم القضائيّة. أما بالواقع، فقد تحوّلت “عمونا” بؤرة مركزيّة وثابتة ومقبولة بين الجهات الرسميّة، بما يعنيه ذلك من وجودٍ للبنى التحتيّة والخدمات الحيويّة، وهي صورة تعكس التناقض الصارخ من تعامل الدولة مع المواطنين في القرى الفلسطينيّة البدويّة في النقب. إن حالة “عمونا” حالة نادرة قضائيًا، من حيث أنّ المحكمة، وبعد عقودٍ من المرافعة غير المثمرة، تصدر أمرًا بهدم المستوطنة حتّى نهاية العام 2016. على أثر هذا القرار، درس الائتلاف الحكوميّ تشريعات من شأنها أن تشرعن وجود المستوطنة بأثرٍ رجعيّ. بحسب مصادر مطّلعة، عبّر المستشار القضائيّ، أفيحاي مندلبليط، عن قلقه من صعوبة أن تجتاز هذه التشريعات امتحان المحكمة العليا، إلا أن ذلك لا يعني أنه لن يدافع عنها. وقد أرسلت عدالة لمندلبليط خلال الأسبوع المنصرم رسالة تفصّل فيها اشكاليّات القانون المقترح. احدى الخطط المطروحة بشأن المستوطنة هي نقل المستوطنين لأملاك اللاجئين الفلسطينيين المجاورة.
يسود الاعتقاد بأن النكبة عبارة عن عمليّة تطهير عرقيّ للفلسطينيين جرت أحداثها في السنوات الأولى لدولة إسرائيل وفي داخل الخطّ الأخضر فقط، بينما يجري التعامل مع أراضي 1967 على أنّها نوع منفصل يقع تحت تصنيف “احتلال”. إن الأداة القانونيّة الأهم في سلب أراضي الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كانت قانون أملاك الغائبين الصادر عام 1950، والذي يُعرّف اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا جرّاء الحرب بصفتهم “غائبين”، وهكذا سيطرت اسرائيل على أراضيهم. في الأراضي المحتلّة عام 1967، يكمن المبدأ الأساسيّ للتعامل مع الأراضي واستعمارها في قرار المحكمة العليا عام 1979، في قضيّة دويكات ضد حكومة إسرائيل، (وهي القضيّة المعروف أيضًا بأسم: “ألون موريه”)، ويمنع القرار مصادر أرض فلسطينيّة خاصّة. بهذا القرار، سمحت المحكمة للدولة بأن تسيطر على كل باقي الأراضي، وهي معظم أراضي الضفّة الغربيّة، وأن تعتبرها “أراضي دولة” مُتاحة للاستيطان. أما على مستوى الممارسة، وجدت إسرائيل عدّة طرق لسلب أملاك الفلسطينيين الخاصّة بأي حالٍ من الأحوال، غالبًا من خلال جعل عمليّة تسجيل دعاوى الملكيّة مهمةً مستحيلة. كذلك، صادرت الدولة “عن طريق الخطأ” أراضٍ فلسطينيّة خاصّة، وهذا باعترافها في جلسة محكمة غير عاديّة هذا الأسبوع، في قضيةٍ تتعلق بمستوطنة “عوفرا”.
من خلال التفكير بالنكبة كعمليةٍ متواصلة، يمكننا أن نرى بوضوح تشابه السياسات الإسرائيليّة على جانبيّ الخطّ الأخضر. إبان حرب العام 1967، هُجّر أكثر نحو 200 ألف فلسطينيّ من سكّان الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة إلى خارج البلاد ومُنعوا من العودة. خلال فترة وجيزة جدًا بعد الاحتلال، أصدر الجيش الإسرائيليّ الأمر العسكريّ رقم 58، وهو يستنسخ، مبدئيًا، قانون أملاك اللاجئين للأراضي المحتلّة عام 1967، إنما بشكلٍ أوسع: ينطبق قانون أملاك اللاجئين داخل الخط الأخضر على من تركوا بيوتهم إلى مناطق تحت سيطرة “دول عدو” خلال الفترة المحددة بين 1947 و- 1948، بينما يشمل الأمر العسكريّ رقم 58 كل فلسطينيّ ترك الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة حتى يومنا هذا.
يعتمد مخطط نقل مستوطنة “عَمونا” على الأمر العسكريّ رقم 58، والذي يعرّف أراضي الفلسطينيين بشكلٍ فضفاض على أنها “أملاك غائبين”، أي أنه مخطط يمكن ان ينسف حتى مبدأ “ألون موريه”، والتي يتذرّع بحماية الأملاك الفلسطينيّة الخاصّة. وتقدّر حركة “سلام الآن” بأنّ أكثر من 100 كيلومترًا مربعًا من أراضي الضفّة الغربيّة يُمكن أن تخضع لتعريف “أملاك الغائبين” كما جاء في الأمر العسكريّ. إن التوسيع المقترح لمستوطنة “غيلو” في الأراضي المحتلّة في القدس الشرقيّة – وهو مخطط اجتذب نقدًا أمريكيًا – يمكنه أن يؤدّي إلى ضمّ أراضٍ تبلغ نسبة أملاك الغائبين منها 30 بالمئة. أحد الأمثلة على مدى تأثير الخطّ الأخضر على الافتراضات السائدة، يمكن أن نجده في النسخة الإنجليزيّة من موقع هآرتس، والتّي ذكرت بشكلٍ خاطئ أن المخطط يسلب أملاك غائبين تابعة للاجئي العام 1948، بيد أنها أملاك اللاجئين الأقل معروفين – لاجئي العام 1967.إن إمكانيّة نقل المستوطنين من أراضٍ فلسطينيّة سرقها أفراد، إلى أراضٍ فلسطينيّة سرقتها الدولة، تؤكّد العلاقة الحاسمة بين النكبة والقانون. ويُمكن اختصار الخلاف القضائيّ بين المستوطنين والحكومة بشكلٍ تام، في سؤال: من لديه “الحق” في سلب أراضي الفلسطينيين، وكيف يُمكن تقسيم ما نُهب في النكبة.
Leave a Reply